الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والمباح ظاهر.وأما النظر الواجب: فالنظر في المصحف وكتب العلم عند تعين تعلم الواجب منها والنظر إذا تعين لتمييز الحلال من الحرام في الإعيان التي يأكلها أو ينفقها أو يستمتع بها والأمانات التي يؤديها إلى أربابها ليميز بينها ونحو ذلك.والنظر الحرام: النظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا وبغيرها إلا لحاجة كنظر الخاطب والمستام والمعامل والشاهد والحاكم والطبيب وذي المحرم.والمستحب: النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلما والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين والنظر في آيات الله المشهودة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته.والمكروه: فضول النظر الذي لا مصلحة فيه فإن له فضولا كما للسان فضولا وكم قاد فضولها إلى فضول عز التلخص منها وأعيى دواؤها وقال بعض السلف: كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.والمباح: النظر الذي لا مضرة فيه في العاجل والآجل ولا منفعة.ومن النظر الحرام: النظر إلى العورات وهي قسمان.عورة وراء الثياب وعورة وراء الأبواب.ولو نظر في العورة التي وراء الأبواب فرماه صاحب العورة ففقأ عينه لم يكن عليه شيء وذهبت هدرا بنص رسول في الحديث المتفق على صحته وإن ضعفه بعض الفقهاء لكونه لم يبلغه النص أو تأوله.وهذا إذا لم يكن للناظر سبب يباح النظر لأجله كعورة له هناك ينظرها أو ريبة هو مأمور أو مأذون له في الإطلاع عليها.وأما الذوق الواجب: فتناول الطعام والشراب عند الإضطرار إليه وخوف الموت فإن تركه حتى مات مات عاصيا قاتلا لنفسه قال الإمام أحمد وطاووس: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار.ومن هذا: تناول الدواء إذا تيقن النجاة له من الهلاك على أصح القولين وإن ظن الشفاء به فهل هو مستحب مباح أو الأفضل تركه؟ فيه نزاع معروف بين السلف والخلف.والذوق الحرام: كذوق الخمر والسموم القاتلة والذوق الممنوع منه للصوم الواجب.وأما المكروه: فكذوق المشتبهات والأكل فوق الحاجة وذوق الطعام الفجاءة وهو الطعام الذي تفجأ آكله ولم يرد أن يدعوك إليه وكأكل أطعمة المرائين في الولائم والدعوات ونحوها وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن طعام المتبارين» وذوق طعام من يطعمك حياء منك لا بطيبة نفس.والذوق المستحب: أكل ما يعينك على طاعة الله عز وجل مما أذن الله فيه والأكل مع الضيف ليطيب له الأكل فينال منه غرضه والأكل من طعام صاحب الدعوة الواجب إجابتها أو المستحب.وقد أوجب بعض الفقهاء الأكل من الوليمة الواجب إجابتها للأمر به عن الشارع.والذوق المباح: ما لم يكن فيه إثم ولا رجحان.وأما تعلق العبوديات الخمس بحاسة الشم فالشم الواجب: كل شم تعين طريقا للتمييز بين الحلال والحرام كالشم الذي تعلم به هذه العين هل هي خبيثة أو طيبة؟ وهل هي سم قاتل أو لا مضرة فيه؟ أو يميز به بين ما يملك؟ الإنتفاع به وما لا يملك ومن هذا شم المقوم ورب الخبرة عند الحكم بالتقويم وشم العبيد ونحو ذلك.وأما الشم الحرام: فالتعمد لشم الطيب في الإحرام وشم الطيب المغصوب والمسروق وتعمد شم الطيب من النساء الأجنبيات خشية الإفتتان بما وراءه.وأما الشم المستحب: فشم ما يعينك على طاعة الله ويقوي الحواس ويبسط النفس للعلم والعمل ومن هذا هدية الطيب والريحان إذا أهديت لك ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل».والمكروه: كشم طيب الظلمة وأصحاب الشبهات ونحو ذلك.والمباح: ما لا منع فيه من الله ولا تبعة ولا فيه مصلحة دينية ولا تعلق له بالشرع.وأما تعلق هذه الخمسة بحاسة اللمس فاللمس الواجب: كلمس الزوجة حين يجب جماعها والأمة الواجب إعفافها.والحرام: لمس ما لا يحل من الأجنبيات.والمستحب: إذا كان فيه غض بصره وكف نفسه عن الحرام وإعفاف أهله.والمكروه: لمس الزوجة في الإحرام للذة وكذلك في الإعتكاف وفي الصيام إذا لم يأمن على نفسه.ومن هذا لمس بدن الميت لغير غاسله لأن بدنه قد صار بمنزلة عورة الحي تكريما له ولهذا يستحب ستره عن العيون وتغسيله في قميصه في أحد القولين ولمس فخذ الرجل إذا قلنا: هي عورة.والمباح: مالم يكن فيه مفسدة ولا مصلحة دينية.وهذه المراتب أيضا مرتبة على البطش باليد والمشي بالرجل وأمثلتها لا تخفى.فالتكسب المقدور للنفقة على نفسه وأهله وعياله واجب وفي وجوبه لقضاء دينه خلاف والصحيح: وجوبه ليمكنه من أداء دينه ولا يجب لإخراج الزكاة وفي وجوبه لأداء فريضة الحج نظر والأقوى في الدليل: وجوبه لدخوله في الإستطاعة وتمكنه بذلك من أداء النسك والمشهور عدم وجوبه.ومن البطش الواجب: إعانة المضطر ورمي الجمار ومباشرة الوضوء والتيمم.والحرام: كقتل النفس التي حرم الله قتلها ونهب المال المعصوم وضرب من لا يحل ضربه ونحو ذلك وكأنواع اللعب المحرم بالنص كالنرد أو ما هو أشد تحريما منه عند أهل المدينة كالشطرنج أو مثله عند فقهاء الحديث كأحمد وغيره أو دونه عند بعضهم ونحو كتابة البدع المخالفة للسنة تصنيفا أو نسخا إلا مقرونا بردها ونقضها وكتابة الزور والظلم والحكم الجائر والقذف والتشبيب بالنساء الأجانب وكتابة ما فيه مضرة على المسلمين في دينهم أو دنياهم ولاسيما أن كسبت عليه مالا [2: 79]: {فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} وكذلك كتابة المفتى على الفتوى ما يخالف حكم الله ورسوله إلا أن يكون مجتهدا مخطئا فالإثم موضوع عنه.وأما المكروه: فكالعبث واللعب الذي ليس بحرام وكتابة ما لا فائدة في كتابته ولا منفعة فيه في الدنيا والآخرة.والمستحب: كتابة كل ما فيه منفعة في الدين أو مصلحة لمسلم والإحسان بيده بأن يعين صانعا أو يصنع لأخرق أو يفرغ من دلوه في دلو المستسقى أو يحمل له على دابته أو يمسكها حتى يحمل عليها أو يعاونه بيده فيما يحتاج له ونحو ذلك ومنه: لمس الركن بيده في الطواف وفي تقبيلها بعد اللمس قولان.والمباح: ما لا مضرة فيه ولا ثواب.وأما المشي الواجب: فالمشي إلى الجمعات والجماعات في أصح القولين لبضعة وعشرين دليلا مذكورة في غير هذا الموضع والمشي حول البيت للطواف الواجب والمشي بين الصفا والمروة بنفسه أو بمركوبه والمشي إلى حكم الله ورسوله إذا دعي إليه والمشي إلى صلة رحمه وبر والديه والمشي إلى مجالس العلم الواجب طلبه وتعلمه والمشي إلى الحج إذا قربت المسافة ولم يكن عليه فيه ضرر.والحرام: المشي إلى معصية الله وهو من رجل الشيطان قال تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} قال مقاتل استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم فكل راكب وماش في معصية الله فهو من جند إبليس. وكذلك تتعلق هذه الأحكام الخمس بالركوب أيضا. فواجبه: في الركوب في الغزو والجهاد الحج الواجب.ومستحبه في الركوب المستحب من ذلك ولطلب العلم وصلة الرحم وبر الوالدين وفي الوقوف بعرفة نزاع هل الركوب فيه أفضل أم على الأرض؟ والتحقيق أن الركوب أفضل إذا تضمن مصلحة: من تعليم للمناسك واقتداء به وكان أعون على الدعاء ولم يك فيه ضرر على الدابة.وحرامه: الركوب في معصية الله عز وجل.ومكروهه: الركوب للهو واللعب وكل ما تركه خير من فعله.ومباحه: الركوب لما لم يتضمن فوت أجر ولا تحصيل وزر.فهذه خمسون مرتبة على عشرة أشياء: القلب واللسان والسمع والبصر والأنف والفم واليد والرجل والفرج والاستواء على ظهر الدابة. اهـ.
.من فوائد القونوي في الآية الكريمة: قال رحمه الله:فاتحة القسم الثاني:قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولنبدأ أوّلا بعون اللّه ومشيئته بذكر ما يقتضيه ظاهر اللسان ومرتبته، ثم نرقى منه وفيه بالتدريج إلى الباطن، ثم الحدّ والمطلع والأمر المحيط الحاكم على الجميع، كما يسّر اللّه ذلك فيما مرّ. فنقول: إيّا ضمير منفصل للمنصوب، واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في إيّاك وإيّاه وإيّاي لبيان حكم المتكلّم والغائب والمخاطب، ولا محلّ لها عند المحقّقين من أرباب اللسان من الإعراب، كما لا محلّ للكاف في أرأيتك وليست بأسماء مضمرة مقصودة. وما حكاه الخليل عن بعضهم أنّه إذا بلغ الرجل الستّين فإيّاه وإيّا الشوابّ فشاذّ لا يعوّل عليه.و العبادة في اللغة: أقصى غايات الخضوع والتذلّل، ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوّة النسج. كأنّه إشارة إلى قبوله الانفعال والتأثير القوي. وأرض معبّدة:مذلّلة.وأمّا سرّ باطن ظاهر إِيَّاكَ نَعْبُدُ الآية، هو أنّه لمّا ذكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه صفات العظمة والجلال، ونعته بنعوت الكمال، تعلّق العلم أو الذهن بمتصوّر عظيم الشأن، جدير بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة به في المهمّات، فخوطب ذلك المعلوم أو المتصوّر المتميّز، بتلك الصفات حين تعيّن مرتبته وصورة عظمته في ذهن المناجي، بحسب معتقده فيه الذي عليه يترتّب إسناد تلك الصفات إليه.وقيام المناجي حالتئذ في مقام العبوديّة المقابلة للربوبيّة المستحضرة له عقيب ذلك بإيّاك نعبد يا من هذه صفاته، إشارة إلى تخصيصه بالعبادة وطلب الاستعانة منه، أي لا نعبد غيرك ولا نستعينه اقتصارا عليه وانفرادا له وليكون الخطاب أدلّ على أنّ العبادة لذلك المتميّز بذلك المتميّز الذي لا تتحقّق العبادة إلّا به وإقران العبادة بالاستعانة للجمع بين ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته. وتقديم العبادة على الاستعانة كتقديم الوسيلة على طلب الحاجة رجاء الإجابة، كما نبّه سبحانه على ذلك بقوله: {إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْر لَكُمْ} الآية وإطلاق الاستعانة لتناول كلّ مستعان به.وبعد أن ذكرنا في هذه الآية ما استدعاه ظاهر مقامها من إلماع بطرف من الباطن، فلنرق منه إلى ما فوقه، ولنذكّرك أوّلا أيّها المتأمّل بما أسلفناه قبل في حقيقة الذكر والحضور، في بيان سرّ جواب الحقّ عبده التالي المصلّي حين قوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} «ذكرني عبدي» الحديث لمسيس الحاجة إليه هاهنا. ثم نقول: اعلم، أنّ اللّه سبحانه قد نبّه الألبّاء على بعض أسرار ما نحن بصدد بيانه تنبيها خفيّا بقوله: {لِكُلٍّ وِجْهَة هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} وكلّ عابد لشيء فإنّه متوجّه إلى معبوده لا محالة، وتوجّهه إليه مسبوق بما بعثه على ذلك التوجّه، وباعثه على التوجّه يتعيّن بحسب ما استقرّ عنده من المتوجّه إليه، والمستقرّ عنده صورة علميّة منتشية من دلائل ومقدّمات تفيد الجزم اليقيني في زعمه، أو صورة ذهنيّة متحصّلة من أقاويل مسموعة، أو آيات وآثار مشهودة دالّة على أمور يزعم أنّها كمالات، وأنّها حاصلة لمن تضاف إليه تلك الآثار، وتستند إليه تلك الكمالات، فحالما تصوّر تلك الصفات قائمة بموصوف مّا منفرد بها دون غيره حكم بأنّه مستحقّ للعبادة، فرغب في اللجأ إليه والتعبّد له خوفا وطمعا، أو استحسانا.هذا، مع أنّه قد يكون ما حكم به لمن نسبت إليه تلك الصفات ودلّت عليه الآثار والآيات المسموعة والمدركة صحيحا ثابتا لذلك الموصوف، وقد لا يكون كذلك إلّا في زعم المعتقد لا في نفس الأمر، أو تكون تلك الصفات والآثار ونحوهما ثابتة لغير من أضيفت إليه، وتلك الأقاويل دالّة على تشخّصات متعيّنة في أذهان القائلين بحسب آرائهم وحدسهم وتصوّراتهم، فهي- أعني تلك الصور الذهنيّة الاعتقاديّة- من حيث أوّل حادس ومستحضر ما أنشأ تصوّره منفعلة عنه، ومن حيث السامع الأوّل القائل المستعبد نفسه من حيث هي بحسب ما ثبت في نفسه وتصوّره منها لقول القائلين منفعلة مرّة أخرى، وهلمّ جرّا.فالشخص إذا مستعبد نفسه لما انتشى في ذهنه، وكان ناشئا أيضا عن صورة أخرى منفعلة عن متصوّر آخر بتصوّر هو بالأصالة منفعل، هكذا ذاهبا إلى أوّل فاعل منفعل وكون الأمر كما تصوّر فإنّه يمكن أن يكون المتوجّه إليه بالعبادة فاعلا من حيث هو، ومنفعلا من حيث تعيّنه في تصوّرات العقول والأذهان والظنون والأوهام، أو ليس كذلك.فيه: نظر. أمّا في طور العقل فلا شكّ في فساده وبطلانه لما يستلزم ذلك من المحالات التي لا حاجة بنا إلى الخوض فيها، كتجويز انضباط الحقّ وتعيّنه في تصوّر أحد على ما هو عليه في نفسه، مع استحالة ذلك في نفس الأمر، فافهم.
|